مقياس HBDI وتحليل التفكير

مقياس التفكير HBDI: أداة لفهم أنماط التفكير وتحسين الأداء الشخصي والمؤسسي

تعتبر أداة مقياس التفكير HBDI (من اختصار Herrmann Brain Dominance Instrument) واحدة من أشهر الأدوات المستخدمة لفهم الأنماط المختلفة للتفكير البشري، والتي تهدف إلى تحسين الأداء العقلي سواء على المستوى الشخصي أو المؤسسي. لقد تم تطوير هذه الأداة على يد هيرمان في الثمانينات، وهي تستند إلى الفكرة القائلة بأن الأفراد لا يستخدمون أدمغتهم بنفس الطريقة، بل يميل كل شخص إلى استخدام جانب معين من دماغه بشكل أكبر من الجوانب الأخرى. بالتالي، يسعى هذا المقياس إلى تقديم رؤية شاملة عن كيفية تقسيم الأدمغة البشرية إلى أنماط تفكير متعددة، وكيفية تحسين التفاعل بين هذه الأنماط لتحقيق أفضل النتائج.

1. ما هو مقياس HBDI؟

مقياس HBDI هو أداة لقياس نوع التفكير المسيطر لدى الأفراد. ويُعد المقياس جزءًا من نظرية تفكير الدماغ المتعددة التي اقترحها نيل هيرمان، حيث قسم الدماغ إلى أربعة أنماط تفكير رئيسية. يستند المقياس إلى تقسيم الدماغ البشري إلى أربع مناطق رئيسية، كل منها مسؤول عن نوع معين من التفكير. يهدف المقياس إلى تحديد الأسلوب الذي يفضل الشخص اتباعه عند مواجهة المواقف الفكرية المختلفة. هذه الأنماط هي:

• النمط التحليلي (المنطقي): يرتبط بالجانب الأيسر من الدماغ، حيث يركز الأشخاص الذين يتبعون هذا النمط على التفاصيل والمعلومات الدقيقة والتحليل المنطقي. يحبون الأرقام، الأنظمة، ويهتمون بالأدلة القوية.

• النمط التنظيمي (التنظيمي): يركز على الترتيب والهيكلية، ويحب الأشخاص الذين يتبعون هذا النمط العمل مع القواعد، والإجراءات، والاستراتيجيات المدروسة.

• النمط الإبداعي (الخيالي): يرتبط بالجانب الأيمن من الدماغ، حيث يفضل الأشخاص الذين يتبعون هذا النمط التفكير بشكل مبدع، ويعتمدون على الحدس والاستلهام في اتخاذ قراراتهم.

• النمط الاجتماعي (الإنساني): يهتم بالأفراد، العلاقات، والاهتمام بالآخرين. الأشخاص الذين يتبعون هذا النمط يفضلون التعاون والتفاعل مع الآخرين ويسعون لفهم مشاعرهم واحتياجاتهم.

2. الأسس النظرية لمقياس HBDI

تستند نظرية مقياس HBDI إلى الفكرة القائلة أن الدماغ البشري يتكون من أجزاء مختلفة، وكل جزء مسؤول عن نوع معين من التفكير. هذا المقياس يعتمد على أساسيات علم الأعصاب والبحوث التي ربطت بين الأجزاء المختلفة للدماغ وأنواع التفكير. فقد تم تقسيم الدماغ إلى أربعة أنماط متميزة بناءً على البحوث التي أُجريت على وظائف الدماغ. فيما يلي الأجزاء التي يميزها مقياس HBDI:

• النصف الأيسر من الدماغ: يرتبط بالجوانب التحليلية والمنطقية والرياضية. الأشخاص الذين يميلون لاستخدام هذا النصف يتمتعون بحب ترتيب الأشياء وتحليل البيانات.

• النصف الأيمن من الدماغ: يرتبط بالجوانب الإبداعية، الانفعالية، والإنسانية. هؤلاء الأشخاص يميلون للتفكير بصورة غير خطية ويحبون التفكير خارج الصندوق.

• الجزء الأمامي من الدماغ: يتعامل مع التفكير النقدي، التحليل، والقرارات المعقدة. يميل الأشخاص الذين يستخدمون هذا الجزء من الدماغ إلى التفكير في التحديات وحل المشكلات.

• الجزء الخلفي من الدماغ: يركز على العواطف، المشاعر، والحياة الاجتماعية. هذه المنطقة تساهم في التفكير العاطفي والتحفيزي.

3. أنماط التفكير الأربعة في مقياس HBDI

كما ذكرنا، هناك أربعة أنماط رئيسية للتفكير يتم تصنيف الأشخاص بناءً عليها. يمكن توضيح كل نمط بشيء من التفصيل كما يلي:

أ. النمط التحليلي (المنطقي) – اليسار العميق:

يميل الأفراد الذين يتبعون هذا النمط إلى التفكير بطريقة منطقية وتحليلية. هؤلاء الأشخاص يتسمون بحب الأرقام والبيانات، ولديهم قدرة عالية على معالجة المعلومات بطرق دقيقة. هم يفضلون العمل مع الحقائق والإحصائيات بدلاً من الافتراضات أو الأبحاث غير المبنية على أسس علمية.

يُعرف الأشخاص في هذا النمط بجعلهم أولويتهم البحث عن الإجابات الصحيحة والحقائق الواضحة، مع التركيز على موضوعات مثل الحسابات المالية، التحليل العلمي، والتخطيط المنهجي.

ب. النمط التنظيمي (الترتيب) – اليسار العملي:

أولئك الذين يميلون إلى هذا النمط يفضلون العمل مع الأنظمة التي توفر هيكلًا واضحًا. يهتمون بالأشياء التي تتعلق بالترتيب، التنظيم، والقواعد المحددة. يُعد هؤلاء الأفراد منظمين ودقيقين في عملهم، ويشعرون بالراحة عندما يتبعون إجراءات محددة ويعملون وفقًا للمواعيد النهائية.

يمكن لهؤلاء الأشخاص أن يكونوا متميزين في المجالات التي تتطلب تنظيمًا دقيقًا مثل الإدارة، الموارد البشرية، أو أي مجال يحتاج إلى مهارات تنظيمية وإدارية قوية.

ج. النمط الإبداعي (الخيالي) – اليمين العميق:

يتميز هذا النمط بالتفكير المبدع. الأشخاص الذين ينتمون إلى هذا النمط يميلون إلى التفكير خارج الصندوق وتوليد أفكار جديدة غير تقليدية. يفضلون التفكير في الاحتمالات غير المحدودة، ويعتمدون على الإلهام والحدس في اتخاذ القرارات.

يعد هذا النمط شائعًا بين الفنانين، المبدعين، والمبتكرين. هؤلاء الأشخاص يشعرون بالإشباع عندما يعملون في بيئات غير محددة ويحبون المخاطرة.

د. النمط الاجتماعي (الإنساني) – اليمين العملي:

الأفراد في هذا النمط يفضلون التعاون والتفاعل مع الآخرين. يهتمون بالعلاقات الاجتماعية والشخصية، ويسعون دائمًا لفهم مشاعر الآخرين واحتياجاتهم. يعتمد هؤلاء الأشخاص على مهارات الاتصال الجيدة ويشعرون بالراحة في العمل ضمن مجموعات.

يعتبر هذا النمط مفضلًا في المجالات التي تتطلب العمل الجماعي والعلاقات الشخصية مثل العمل الاجتماعي، التعليم، والرعاية الصحية.

4. كيف يتم قياس نمط التفكير باستخدام HBDI؟

يتضمن مقياس HBDI مجموعة من الأسئلة التي تقيم طريقة التفكير التي يعتمد عليها الفرد. يتم إجراء التقييم عبر استبيان يتم الإجابة عليه بشكل فردي، حيث يتعين على الشخص اختيار الأنماط التي تتناسب مع شخصيته وتفكيره. بمجرد إجراء التقييم، يتم تحديد النمط السائد والتفاعل بين الأنماط المختلفة.

5. أهمية مقياس HBDI في الحياة الشخصية والمهنية

يُعد مقياس HBDI أداة قوية لفهم الأنماط المختلفة للتفكير، وله فوائد كبيرة سواء على مستوى الأفراد أو المؤسسات. على الصعيد الشخصي، يساعد هذا المقياس الأفراد على فهم كيفية تفكيرهم واتخاذ قراراتهم بشكل أفضل. كما يتيح لهم اكتشاف نقاط قوتهم وضعفهم في عملية التفكير، مما يساعدهم في تحسين مهاراتهم واتخاذ قرارات أكثر وعيًا.

أما على الصعيد المهني، فيمكن أن يساعد مقياس HBDI في تحسين التفاعل بين الأفراد في بيئات العمل المختلفة. من خلال معرفة الأنماط المختلفة للتفكير، يمكن للموظفين والمديرين تخصيص استراتيجيات مناسبة لتحفيز الفرق وتحقيق التنسيق الأمثل.

بالإضافة إلى ذلك، يمكن للمؤسسات استخدام مقياس HBDI لتصميم فرق عمل مثالية تجمع بين الأنماط المختلفة للتفكير، مما يساهم في تحسين الأداء الجماعي ويزيد من فاعلية الحلول المقدمة.

6. استخدام مقياس HBDI في المؤسسات

في المؤسسات، يُستخدم مقياس HBDI لفهم التنوع الفكري بين الموظفين وتوجيههم لتحقيق أقصى استفادة من هذا التنوع. من خلال استثمار هذه الأداة، يمكن للمؤسسات تصميم برامج تدريب مخصصة لتحسين الأداء الجماعي، وتطوير ثقافة تنظيمية تعزز التعاون بين الأشخاص ذوي الأنماط المختلفة.

يُستخدم أيضًا في مجال تطوير القيادة؛ حيث يساعد في فهم الطريقة التي يتفاعل بها القادة مع فرقهم، وبالتالي تحسين استراتيجياتهم القيادية.